
يكتب موشيه ارنس، في "هآرتس" أنه مضت قرابة عشر سنوات على الاقتلاع المأساوي لعشرة آلاف اسرائيلي من مستوطنات غوش قطيف، في شمال قطاع غزة ومن المستوطنات في شمال الضفة – وهي الخطوة التي اضطر الجيش في أعقابها للمبادرة إلى ثلاث حملات عسكرية كبيرة في القطاع.
والأن، بعد مرور سنة على الحملة الثالثة – الجرف الصامد – يبدو أنه حان الوقت لفحص السياسة التي أدت إلى خرق حقوق المواطن لآلاف الإسرائيليين وعرضت غالبية أراضي إسرائيل للصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة وتسببت بمقتل الكثيرين في إسرائيل وقطاع غزة.
لقد ادعى اريئيل شارون، الذي كان قراره المتعلق باقتلاع المستوطنين هو المحرك لسلسلة هذه الأحداث، أن هذه الخطوة "ستحسن أمن اسرائيل". ولقد نجح بتجنيد غالبية في الكنيست، بما في ذلك عدة نواب من الليكود، للمصادقة على خطة الانفصال. بل تعاونت معه المحكمة العليا، أيضًا، في مصادقتها على الخرق غير المسبوق لحقوق المواطن في إطار تلك الخطة. لكن هذا العمل المتطرف، الذي كان يفترض فيه أن يحسِّن أمن اسرائيل، قاد إلى تدهور حاد في أمنها. وقبل مضي يومين على استكمال الانفصال، تم إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل. وتلقى مواطنوها بذلك التحذير الأول الذي دل على ما ينتظرهم في السنوات المقبلة.
لقد اضطر ورثة شارون، ايهود اولمرت وتسيبي لفني، بعد دعمهما المتحمس للخطة، الى مواجهة ابعاد اخطائه. فبعد اقل من ثلاث سنوات على الانفصال اضطرت حكومة اولمرت الى الرد على الهجمات الصاروخية غير المتوقفة، وخاضت عملية "الرصاص المصبوب". وخلال العملية التي استغرقت 23 يوما، تم اطلاق اكثر من 750 صاروخا وقذيفة هاون من غزة على اسرائيل. وسقطت بعض تلك الصواريخ في بئر السبع واشدود وغديرا. وقتل خلال تلك العملية اكثر من الف فلسطيني و13 اسرائيليا. وبعد العملية انسحبت قوات الجيش واعلنت اسرائيل عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد. لقد كان اولمرت يعتقد ان استعراض القوة الاسرائيلي سيكفي لردع حماس عن مواصلة هجماتها. لكنه أخطأ.
وبعد اقل من اربع سنوات، في تشرين الثاني 2012، حان دور بنيامين نتنياهو لمواجهة الهجمات من غزة، فشن عملية "عامود السحاب" التي استغرقت ثماني ايام، وتم خلالها اطلاق اكثر من 1500 صاروخ باتجاه اسرائيل، وصل بعضها الى تل ابيب والقدس. وقتل اكثر من مائة فلسطيني وستة اسرائيليين في العملية. لكن استراتيجية اسرائيل بقيت كما هي: ننزل عليهم وجبة كبيرة من النيران الجوية، وسيفهمون بأنه يجب وقف الهجمات الصاروخية. لكن هذا لم ينجح، وواصل المخربون اطلاق الصواريخ.
وقبل سنة بادرت حكومة نتنياهو الى عملية ثالثة، "الجرف الصامد" التي استهدفت حماس والجهاد الاسلامي. واستمرت العملية 51 يوما، وشاركت فيها قوات برية كثيرة، وتم اطلاق اكثر من 4500 صاروخ باتجاه اسرائيل. وتم اغلاق مطار بن غوريون ليوم واحد، وبحث ملايين الإسرائيليين عن ملاذ من الصواريخ. وقتل 72 إسرائيليا واكثر من 2000 فلسطيني. وبعد انتهاء الحملة اعلن نتنياهو الانتصار. فقد كان يعتقد ان الفلسطينيين في غزة تلقنوا الدرس هذه المرة وان اسرائيل استعادت لنفسها قوة الردع.
والآن، بعد مرور سنة، ليس من الواضح بتاتا بأنه تم تحقيق هذا الهدف. آن الأوان لإعادة فحص النظرية التي تدعي انه يمكن ردع الارهابيين، وانه بسبب ذلك لا توجد أي حاجة لدخول الجيش الى غزة وتفكيك التنظيمات الارهابية المحلية من اسلحتها. لقد فشلت هذه النظرية ثلاث مرات، ويجب ان يكون واضحا للجميع ان ردع المخربين هو حلم خيالي. الطريق الوحيدة لوقف الارهاب تكمن في تصفية قدرات المخربين على تنفيذ عمليات ارهابية. من المفضل الدخول الى غزة من اجل تحقيق هذا الهدف وتخليص الجمهور الاسرائيلي من تهديد الصواريخ.